📚 السياسة في العصر الحالي؟
📚 السياسة في العصر الحالي؟
قراءة حول الوضع الراهن.
السيد البروفيسور:
تجاوز الحكم القرار السيادي القائم على حبّ الوطن، إذ تحوّل إلى هندسة دقيقة للهيمنة.
في العصر الحالي يجلس على الكرسي فقط من يدير من خلاله مصالحه،
الحاكم الحديث يرفع شعارات الحقوق ظاهريا، ولكنه يعرف تماما كيف يبقي شعبه مشغولا برغيف الخبز، بالغلاء، بالفوضى اليومية، حتى لا يرفع أحد رأسه ليسأله: من يحكم من؟ ومن يكتب قوانين هذا الوطن، ومن يقرّر من يستحقّ الحياة ومن يهمّش؟
فحين يتساءل العاقل من وجهة نظر أخلاقية: منذ متى تحارب أمريكا من يتاجر بالمخدرات؟
أمريكا لا تحارب المخدرات… هي تحارب من يخرج عن قواعدها.
تحارب من لا يضع أرباحه في جيوبها.
تحارب من لا يخضع لميزانها الجيو–استراتيجي.
لماذا تفرض حصارا جويا على فنزويلا؟
لكن تصمت حين يسحق أطفال فلسطين؟
هنا يكتشف العالم الوجه الحقيقي لأمريكا.
عندما يقتل طفل فلسطيني، لا تتحرّك حاملات الطائرات الأمريكية لإنقاذه.
لا تهتم أمريكا، ولا أوروبا، ولا من يزعمون أنهم الدول العظمى لحماية حقوق الإنسان، لأن الطفل الفلسطيني لا يدخل ضمن معادلة مصالحهم، دمّه لا يخلق توازنا جديدا في سوق الطاقة، ولا يضيف ورقة ربح في ميزانية الشركات العابرة للقارات.
العالم يقف على عتبة وعي جديد؛ لم يعد في غفلة من أمر أمريكا المنافقة، التي أخفت حقيقتها خلف شعارات الحرية دهرا طويلا. تعلن الرحمة، وتمجّد الديمقراطية، بينما تسري في ممارساتها روح غزوات عتيقة، تذكّر بزمن الفايكينغ حين كان السلاح لغة الحوار، وحين كانت البلاد المستقلّة وذات سيادة تعامل كغنائم تنتزع.
أمريكا تلوّح بترسانتها كعصا تأديب، تضرب بها الدول الغير خاضعة لها. تتقدّم نحو أي أرض لا تدور في فلكها. جعلت خريطة الأرض ملعبا مفتوحا يسمح لها أن تعيد رسم حدوده متى شاءت.
تنشر القواعد العسكرية في كل مكان بحجة حماية الضعفاء، ولكن بقيت ساكنة حين فُتتت الأرض وسحق أطفال فلسطين وبقيت أشلاؤها تحت أنقاض بيوتهم. العالم انتظر أن تتحرّك، لكنها فضّلت أن تساعد المحتلّ بكل أموال شعبها لقتل المزيد من الفلسطينيين وتجويعهم.
ما تفعله أمريكا الآن يكشف حقيقتها والتي لا تحتاج إلى تفسير. شوّهت صورتها ومسحت بتأييدها للصهاينة تاريخها القديم، وظهرت بوجهها الأصلي الإجرامي، والذي ظلّ يخفيه الإعلام عقودا، إنه الوجه الذي يحمي مصالح إسرائيل ويُطيع تمدّدها. اليد التي تعمل بها، وتنفّذ بها كل ضربة توجه ضدّ كلّ من يحاول أن يطالب بالعدل أو يتجرّأ على كسر دائرة السوء والنفوذ. القوى التي تدور في هذا المدار، سواء كانت إيران أو غيرها، تتحرّك داخل مساحة رسمتها السياسة الإسرائيلية نفسها، هم كأدوات تستخدم لإسكات القضايا التي تكشف الحقيقة.
تظهر إسرائيل المتعجرفة بوجه منتش بالقوّة، تتحدّث كمن امتلك مفاتيح العالم: حكومات وشعوبا وثروات، يدها طليقة تفعل ما تشاء بمن تشاء ومتى ما تشاء. تلوّح بأسلحتها الفتّاكة كأنها أختام تمنحها شرعية فوق الشرائع. تهدّد الدول تحت سطوة صواريخها، وتستقوي عليهم بترسانتها.
المشهد الذي صنعته السفينة الحربية الأمريكية المزودة بالصواريخ، في ترينيداد وتوباغو على بعد حوالى عشر كيلومترات فقط من سواحل فنزويلا، في ظلّ الضغوط التي يمارسها الرئيس ترامب، يكشف عمق التحالف بين أمريكا والكيان المحتلّ الصهيوني.
في توقيت متزامن مع نشر أمريكا لسبع سفن حربية في الكاريبي وأخرى في خليج المكسيك؛ وما هي إلا من السفن النووية، ضمن عملية تقول إنها ضد تهريب المخدرات، وتستهدف خصوصا فنزويلا ورئيسها، وتتكرّر الصورة ذاتها في الشرق والغرب: كوريا، الصين، إيران…لتتشكّل شبكة ضغوط تشيّد نظاما عالميا جديدا، يهدّدون به الأبرياء وهم في الأنفاق يستمتعون بحياتهم مع عائلاتهم المقرّبين.
من خلال تتبّع التحرّكات العسكرية، والضغوط الجيوسياسية، وطريقة تعامل أمريكا والكيان الصهيوني مع الدول المستضعفة، يتّضح أن نموذج الحكم الذي يطغى على العالم اليوم، بعيد كل البعد عن مفهوم الدولة الديمقراطية، بحيث تحوّلت إلى واجهة شكلية، تستخدم للاستهلاك الداخلي والخارجي، في حين يتّجه الحكم نحو نظام هرمي شديد الانغلاق، أقرب ما يكون إلى نظام ملكي بصيغة حديثة، يقوم على ثنائية "سيّد وعبد". إنه شكل من أشكال السيادة والسلطة المطلقة التي تمنح الحكّام حق التحكّم في مصائر الشعوب، بينما تسلب الجماهير القدرة على إدارة شؤونها أو تقرير مستقبلها. نظام يمتلك القرار والثروة والقوة العسكرية والجيش، وتتّخذ الخطوات الكبرى وفق ما يخدم مصالحها فقط. لا يشاركه أحد من شعبه ولا يخضع للمحاسبة الفعلية. ومن خلال هذا النموذج تتشكّل سياسات اقتصادية تنتج شعوبا محكومة برواتب منخفضة، عاجزة عن الوصول إلى الرفاهية أو المشاركة في توزيع ثروة بلادها بانصاف.
فالأجور التي تمنح للعاملين في هذه الدول تشبه ما كان يطبّق في عصور مضت، سجلها التاريخ "أجر العبيد": يكفي فقط لتأمين الغذاء والحدّ الأدنى من العيش، دون القدرة على الصعود الاجتماعي أو امتلاك أدوات التأثير السياسي. في المقابل، يتمتّع الحاكم وعائلته ومن حوله من المقرّبين بكل الامتيازات التي توفّرها موارد الدولة، ويستعين بالجيش كأداة لحماية سلطته ومنع أي محاولة للتغيير.
بهذا التوازن المختلّ، تصبح الشعوب مجرد عبيد تؤدي دورها تحت ضغط الحاجة، بينما السلطة الحاكمة تزداد قوة وثروة، وتُغلق المجال العام أمام كل فرد يحاول المطالبة بحقّ أو رفض قرار. وإذا حاولت الجماهير التعبير عن رفضها، تصنّف الحركة كتهديد، وتواجه بالقوة والسجن والتعذيب أو حتى القتل.
هذه هي الملامح الواضحة للحكم العالمي المعاصر: بنية سياسية واقتصادية ترتكز على سلطة مركزية ذات نفوذ مطلق، تدار من قمّة الهرم عبر الحاكم : ''السيّد على الرعية" يتحكّم في مسار القرار والاقتصاد معا، ويعيد توجيه موارد الدولة بما يخدم مصالحه ويبقي خزائنها وثرواتها في قبضته ويستنزفها لصالح عائلته وحاشيته. وفي المقابل، تتحوّل الشعوب إلى طبقة كادحة تعيش ضمن منظومة استعباد كامل، تؤدّي دورها دون امتلاك أي قدرة على المشاركة في صناعة القرار أو إدارة ثروة بلادها.
وهذا ما يضع العالم أمام سؤال غاية في الأهمية:
هل يقف النظام الدولي الحديث على أطلال حكم ممالك من العصور الماضية، ثم تحديثها لتطبّق بوجه جديد، تعتمّد السياسات ذاتها التي حكمت سابقا، ولكن بزيّ متنكّر تحت اسم الدولة الديمقراطية المعاصرة؟
الملك وحاشيته يستحوذون على مقدرات الدولة ويعتبرونها ميراثا شخصيا. توزّع على الدائرة الضيقة المحيطة بالحاكم "الملك": هذا وزير يسيطر على منجم الألماس، وآخر يتحكّم في شبكات النقل بكل أصنافها، وثالث يهيمن على الموانئ والمعابر التجارية، وكأنها من ضمن ممتلكاتهم الخاصة، مع أن هذه الموارد تعدّ أصلا من أصول الشعب، وجدت لخدمته وتنمية مستقبله، لا لتعزيز نفوذ حكومة تحتكر القرار وثروة الأرض وخزينة المال.
هذه الممارسات تسيّر تحت شعار شهير لسياسية محكمة تقدّم للشعب على أنها حقيقة نهائية: الحاكم في خدمة المواطنين، شعب الأرض التي هو عليها وأما سلطته وجدت لحماية مصالح الشعب. بينما الواقع العملي يظهر عكس ذلك تماما؛ الشعب هو الذي يعمل تحت نظام يخدم الحاكم، ويسند الامتيازات إلى حاشيته وأفراد عائلته، ويقصي الطبقة العاملة عن أي مشاركة فعلية في إدارة موارد الدولة أو محاسبة المسؤولين عنها.
وبهذا الشكل، يكون الشعب هو من في خدمة الحاكم وحاشيته وعائلاتهم.
وأبرز الأمثلة التي كشفت طبيعة هذا النموذج ما ظهر في دولة سوريا، فالثروات التي جمعها الرئيس الهارب بشار الأسد خلال سنوات حكمه تحوّلت إلى ممتلكات شخصية وخزينة عائلية تجهّز لورثته، لأبناء الأبناء عبر أجيال طويلة. هذا المثال نموذج على أرض الواقع، إذ تتشارك حكومات كثيرة السلوك ذاته؛ تنشئ سراديب تحت الأرض، تخزّن فيها الأموال والمعادن النفيسة، وتهيّأ كمخزون دائم يستخرج منه كلّما احتاجت الأسرة الحاكمة إلى تعزيز سلطتها أو تمويل نفوذها.
العامل والرعية يعيشون على أجر يومي يكفي حاجاتهم الأساسية فقط. وإذا توقّف هذا الدخل لشهرين، يموتون، لأن منظومة الحكم صمّمتهم كقوة عمل تعتمد على دخل ثابت دون قدرة على الادخار أو بناء حماية مالية أو امتلاك أراض زراعية أو بنايات... هذه الحالة الاجتماعية تكشف بوضوح طبيعة العلاقة داخل النظام المعاصر: مواطن يكدح كما العبد بلا مخزون مالي، بلا سند، وبلا قدرة على الصمود أمام أي أزمة. وفي المقابل، يملك الحكّام ما يكفيهم لسنوات طويلة، لهم ولعائلاتهم ولنسلهم القادم، بفضل سيطرتهم على الدولة ومداخل ثرواتها ومخارجها. بهذا التفاوت الهائل يتجسّد شكل الحكم القائم اليوم: حكم الملك والرعية، مركز قوي يملك كل الموارد، وقاعدة اجتماعية واسعة لا تمتلك سوى ما يمنح لها.
تستخدم الشعارات السياسية لتجميل الواقع لدى المواطن البسيط، وخطابات تبين أن الحاكم يعيش من أجله.
لكن عند مواجهة التفاصيل اليومية، تظهر الحقيقة كاملة: لم يحدث أن أرسل حاكم طائرة خاصة لإنقاذ مواطن بسيط يعاني من مرض خطير أو يبحث عن فرصة علاج خارجية. يخصَّص هذه الامتيازات لنفسه أو لأفراد عائلته، لأنها جزء من المنظومة التي تعامل السلطة كحق وراثي، ويبقى الرعية العبيد كمورد بشري لا أكثر، دون قدرة على الوصول إلى ذات الحقوق أو الامكانات التي يتمتع بها الحاكم السيد.
،؛، نظام يتقدّم فيه الحاكم على رعيته، وتتراجع فيه حقوق المواطن الذي يقوم بدور العبد أمام نفوذ العائلة المالكة وسلطتها.،؛،
اللوبي الصهيوني وكل حكّام العالم هم في خدمة اليهود اليوم، تعتبر مجموعات ضغط، وشركات سلاح، وتحالفات تتجاوز الحكومات. هذه الكيانات تمتلك أدوات القوة: المال، الإعلام، والصناعات العسكرية، وتفرض عبرها تأثيرا عميقا على قرارات عدد كبير من الحكومات. هذا النفوذ هو الذي يجعل دولا عديدة تتحرّك وفق مصالح تلك المجموعات وتبقى تحت أرجلها، تدعم سياساتها وتوفر لها الحماية اللازمة. بينما كانت الشعوب منشغلة بصراعات داخلية ومنشآت ترفيه تستهلك يوميا، كانت اليهود توسّع قدراتها وترسّخ حضورها، لتصنع سلطة عابرة للحدود.
تصور أن نظام الحكم يسمح ببناء بيوت لهو وفضاءات ترفيه واسعة، ولكنه لا يسمح للمواطن البسيط حين يمرض أن يطالب بحق العلاج، أو بحق التعليم الجيد لأطفاله، وإذا تجرّأ ورفع صوته مطالبا بكرامة الإنسان في حقوقه الأولية، يعامل كخطر على "هيبة السلطة". الحكومات في هذه المنظومة تريد عبدا تابعا خاضعا ذليلا، وأعمى عن قول الحقيقة، لا مواطنا حرّا يمتلك حرية التعبير وقدرة على محاسبة الحاكم السيد.
والمضحك في الأمر أن أكثر من يدافع عن هذا النظام هو الأبناء الذين نشأوا داخله، أبناء الطبقة الكادحة الذين قدّموا الولاء واعتادت الطاعة للحاكم السيّد، فيتقدّمون لحمايته، مع أن النتيجة النهائية تعود دائما نحو تكريس حكم الفرد وحاشيته.
الثروة التي يفترض أن تكوّن عماد الأمة تحوّلت إلى تركات شخصية. منجم، حقل غاز ، يصبح اسما في سجلّ العائلة لأعضاء من الحكومات، إرث منزوع من جغرافيا الدولة ودفع به إلى خزائنهم. يعمل المواطن تحت سقف شركة تسمّى “وطنية”، بينما ريعها يتدفّق إلى حسابات الخواصّ، فيتحوّل أبناء الأرض إلى عمّالٍ عند أصحاب الأرض، لأن الأصول تمّ بيعها.
تستدعي الأنظمة مسؤولين في مناصب حسّاسة يسهل قيادتهم، لأنّ ضعف المسؤول يمنح القوة للحاكم الأعلى. كلّهم متحكّم فيهم، ولديهم عنهم ملفات جاهزة، تزج بهم في السجون إن لم يرضخوا لأوامرهم.
هناك نماذج كثيرة توضّح علاقة العبيد بالأسياد عبر التاريخ، في حضارات متعدّدة اتّخذت العبودية جزءا من بنيتها الاقتصادية والاجتماعية. ففي الحضارة السومرية والبابلية كانت العبودية جزءا من الاقتصاد وعنصرا ثابتا في دورة الإنتاج؛ يُكلَّف العبيد بالزراعة في الحقول، والبناء، وصناعة الفخار، والحراسة، مقابل طعام يومي وثياب بسيطة. أمّا في مصر الفرعونية فكانت الأعمال المسندة إليهم واسعة ومتنوعة: جرُّ الأحجار لبناء الأهرامات والطرق، العمل في مشاريع المعابد، وخدمة البيوت الملكية. يطلب منهم العمل بنظام المناوبات، ويوفّر لهم الطعام والسكن، بل كان بعضهم يشغل مهامّ إدارية في بيوت علية القوم. وفي الحضارة اليونانية اعتمد المجتمع على العبيد في معظم النشاطات: التعليم عبر "العبد المثقّف"، والزراعة، والحرف، والخدمة العسكرية. كانت أثينا تضم عبيدا مثقفين يشرفون على تعليم أبناء السادة، ويحظون بمعاملة مختلفة عن غيرهم بسبب مكانتهم العلمية. أما الإمبراطورية الرومانية فقد شكّلت أوسع نظام للرق في العصور القديمة، حيث يعمل العبيد في المناجم والزراعة، ويدربون للقتال بوصفهم ''غلادياتور"، ويخدمون في القصور. ومن أبرز الأمثلة سبارتاكوس، العبد التراقي الذي درّب مصارعا ثم قاد ثورة العبيد سنة 73 ق.م.
وسجّل التاريخ العبودية في العصور الوسيطة في أوروبا، خاصة في النظام الإقطاعي؛ فالفلاحون كانوا أقرب إلى العبيد: يعملون في أرض السيد، يدفعون له جزءا من محصولهم، ويلتزمون بالإقامة والعمل ضمن أملاكه. ومن أمثلتهم القنّ الذي يحرث أرض الإقطاعي مقابل حماية عسكرية من الغزو.
وفي المجتمعات المختلفة كان العبيد يكلّفون بخدمة المنازل، ورعي الإبل والماشية، والعمل في التجارة أمينين على بضائع السادة، وكذلك في المهام العسكرية، كما هو حال المماليك الذين يربّون كمحاربين، ويدرّبون، ويصبحون جزءا من الجيش وقد يصلون إلى مناصب قيادية.
وفي العصر الحديث ظهرت تجارة العبيد عبر الأطلسي، أحد أقسى أنظمة الرق؛ يعمل العبيد في مزارع القطن والسكر، وفي خدمة البيوت، والحراسة في الموانئ. ومن صور ذلك العبد الإفريقي في أمريكا الذي يعمل ساعات طويلة في الحقول، ويطلب منه حصاد المحصول ضمن وقت محدد تحت إشراف ضبّاط الرقابة. كانت العلاقة هناك علاقة اقتصادية بحتة.
كان السادة في مختلف الحضارات يكلّفون العبيد بما يخدم اقتصاد البيت أو الدولة، ويشترطون الطاعة والانضباط وتنفيذ الأوامر والحفاظ على النظام والالتزام بمواعيد العمل. وفي القصور تسند إليهم مهام إعداد الملابس، وتنظيم شؤون البيت، ومرافقة السيد في السفر. وفي اليونان يوظّف العبد معلّما للأطفال، وفي روما طبيبا أو معالجا للجروح، وفي العصر العباسي ناسخا وكاتبا. وكان العبد المثقّف اليوناني يقيم في بيت سيده، يعلّم أبناءه، ويخضع لمعاملة تقدّر علمه، ويحصل على هدايا واحترام.
وفي الجزيرة العربية قبل الإسلام وجد نموذج العبد الرعوي الذي يقيم في خيمة سيده، يرعى الإبل والماشية، ويحصل على الطعام والحماية.
وفي كثير من المجتمعات القديمة لم يمتلك العبيد حقوقا مدنية أو قانونية، وكانوا يعاملون كملكية، مما جعلهم عرضة للاستغلال الجنسي من قبل الأسياد دون موافقة منهم أو القدرة على الرفض.
وفي المجتمع الإسلامي كان هناك تفريق بين العبيد والجواري والمحصنات من السبايا، مع بقاء مظاهر الاستغلال قائمة في بعض الحالات.
عن عائشة قالت: جاءت هند بنت عتبة تبايع. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبايعك على ألا تشركي بالله شيئا. ولا تسرقي، ولا تزني. قالت: أو تزني الحرّة؟، قال: ولا تقتلي ولدك. قالت: وهل تركت لنا أولادا فنقتلهم؟ قال: فبايعته.
سمح الإسلام بتملّك الأسرى، ومنهم النساء، وكان بمقدور السيد معاشرتهم، بينما حرمت جميع الأديان الزنا في تشريعاتها العامة. إلا أن نظام العبودية نفسه خلق بيئة تتيح استغلال الضعفاء والفقراء، وأسهم في انتشار سلوكيات مرتبطة بواقعهم الاجتماعي وقلة حيلتهم.
أما الذي سيثير الجدل هو أن في منطق الحكّام القائم اليوم، يحتاج في كل دورة سياسية إلى ثمن بشري في طقوس شيطانية يضمن بقاء نفوذه. ما يسمّى “استقرار الدولة” لا يتحقق عبر الإصلاح، وإنما عبر التضحيات التي تفرض على الفئات المستضعفة من الرعية المستعبدة. فمنذ الأزمنة القديمة كان الملوك يقدّمون جزءا من رعاياهم كقرابين، وفي حاضرنا تتم العملية نفسها ولكن بوسائل حديثة: يدفع بأبناء الشعب إلى الحروب، بينما تبقى الطبقات المتحكمة وأولادها محمية من كل تبعات الحرب.
فالحروب تتحوّل إلى آلية سياسية لإدامة الحكم وخلق انتصار يرفع رصيد الحاكم السياسي، ويمنحه عاما إضافيّا على عرش الدولة. أمّا الخسائر البشرية من الجيش أبناء الشعب، فتقدّم للرأي العام على أنها تكلفة “فرضها الواجب الوطني”.
فما الحروب إلا قرابين ولذلك الشعوب كانوا يقومون بثورة ضدّ الحكم الملكي السائد، كما فعلوا في كل الأزمنة القديمة.


تعليقات
إرسال تعليق