• لماذا كل الحكومات تحارب الأديان ولا تدعمها؟.
• لماذا كل الحكومات تحارب الأديان ولا تدعمها؟.
قراءة تحليلية حول الوضع.
السيد البروفيسور
جميع الديانات تدعو إلى الانضباط وتسعى لأن تسير الأمور على أحسن وجه، والسبب في ذلك أنها تطالب بالمساواة بين العبد والسيد. هل هذا ما أثار غضب الحكومات؟
الحكومات غالبًا ما تحارب الديانات لأنها تهدد وجود طبقة الأغنياء، بينما هم يسعون للحفاظ على الفوارق بين الطبقات الغنية والفقيرة.
وعندما أعلن محمدا أنه رسول من السماء، فمن خرج لملاقاته؟ كان سادات قريش من خرجوا إليه، وقالوا له: «إن كنت تريد ملكًا ملّكناك»، والحديث النبوي واضح في ذلك.
قالوا له إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك، فأتهم، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا، وهو يظن أن قد بدا لهم فيما كلمهم فيه بداء، وكان عليهم حريصاً يحب رشدهم، ويعز عليه عنتهم، حتى جلس إليهم. فقالوا له:
يا محمد، إنا قد بُعِثنا إليك لنكلمك، وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلتَ على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وشتمت الآلهة، وسفهت الأحلام، وفرقت الجماعة، فما بقي أمر قبيح إلا قد جئته فيما بيننا وبينك ـ
أو كما قالوا له : فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنتَ إنما تطلب به الشرف فينا، فنحن نسودك علينا (نجعلك سيدنا وزعيمنا)، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه قد غلب عليك -وكانوا يسمون التابع من الجن رئيا -فربما كان ذلك، بذلنا لك أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه، أو نعذر فيك.
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بي ما تقولون، ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولا، وأنزل عليَّ كتاباً، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيرا، فبلغتكم رسالات ربي، ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به، فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم".
المهم بالنسبة لهم أن يكون رسول الله معهم، ولا يقف ضدهم بجانب الفقراء، لأن من اتبعه كان الفقراء والعبيد. ولهذا خافوا من زعزعة عروشهم وفقدان السيطرة على طبقاتهم العليا.
الرئيس الأمريكي ترامب كان غنيّا، وعندما تولّى الحكم استغلّ هذا الوضع لصالحه. فحسب شهادات من يعرفونه عن قرب، وكذلك خبراء الاقتصاد المتخصّصون، زادت ثروته بشكل ملحوظ أثناء فترة رئاسته.
إذا كان الأغنياء يرفضون الدين ويرفضون أن يكون له سلطة، لماذا؟ فذلك لسبب واضح: لأن الدين، إذا امتلك زمام السلطة، يأمر الأغنياء بأن يوزّعوا أموالهم على الفقراء، ويسأل الغني: "من أين لك هذا؟" وعند فتح هذا الملف، قد يتّضح أن ثروات الأغنياء جاءت بطرق غير مشروعة، كالرشوة والاستعباد والحرام والسرقة.
في هذه الحالة، يأمر الدين بقطع أيدي السارقين ومصادرة ممتلكاتهم. لذلك، يسعى الأغنياء لتقديم بعض أموالهم لمنع ظهور هذا التحقيق، وليحافظوا على سلطة، تمنع للدين من فرض هذه القوانين عليهم.
هؤلاء الأغنياء الذين جمعوا ثرواتهم من السرقة واستغلال ثروات الشعوب، كما فعلت بريطانيا العظمى، يبرهنون على هذا التاريخ. فقد حاربت بريطانيا الهند، وسرقت ممتلكات الهنود، وها هي اليوم العائلة الحاكمة البريطانية تنعم بالثراء الفاحش، بينما أصحاب المال الحقيقي من الهنود يموتون في الشوارع، في حالة تشرّد كامل ومحرومين من حقوقهم الأساسية.
ألم تحتلّ بريطانيا مصر وسلبت كل ما يتعلّق بتاريخها وحضارتها؟ ألم تستولي على ثروات كل الدول التي استعمرتها في الجزيرة العربية، مثل العراق، الأردن، فلسطين، الكويت، قطر، البحرين، الإمارات، اليمن الجنوبي، وعُمان، وفي آسيا: الهند، باكستان، بنغلاديش، ميانمار، سريلانكا، ماليزيا، سنغافورة، أفغانستان، قبرص، وهونغ كونغ؟ وحتى في أوروبا: إيرلندا، مالطا، قبرص، وفي أفريقيا: السودان، كينيا، أوغندا، تنزانيا، نيجيريا، جنوب إفريقيا، وغيرهم؟ وحتى في الأمريكيتين: الولايات الثلاثة عشر الأصلية، كندا، ترينيداد وتوباغو، وأستراليا وغيرها… تجاوز عدد الدول التي استعمرتها بريطانيا أكثر من 70 دولة حالية، أي نحو 36% من دول العالم. كل هذه الثروات ضُخت في بنوك بريطانيا. ومن يتنعّم بها؟ هل الشعب البريطاني؟ بالطبع لا، فالشعب يكدّ ويكدح ليبني نفسه، بينما الثروات الطائلة التي قُتل خيرة شباب بريطانيا من أجلها إبّان الحروب، جُمعت في بنوك العائلة الحاكمة. هؤلاء الجنود البريطانيون جمعوا هذه الثروات ظنًّا أن العائلة ستوزّعها على أهاليهم وعائلاتهم، لكن ذلك لم يحدث، بل ضخّت العائلة المالكة الأموال لتصبح إرثًا لأبنائها وأحفادها.
أولئك الذين ماتوا ودفنوا تحت التراب، انقضى عليهم الزمن، فلا أحد يذكرهم، ولا أحد من عائلاتهم نال نصيبا مما جمعوا. هؤلاء الجنود الأغبياء، بعد أن يسقطوا في الحروب والمعارك، الثروات التي جمعوها من ذهب وغنائم ومناجم، إلى من تؤول؟
أيّها الجنديّ الغبيّ المغفّل، هل عندما تموت يُسجَّل شيء باسمك أم باسم أبنائك؟ لا طبعا، وإنما يسجّل باسم أبنائهم الذين يخافون حتى من ظلّهم؟ لو لم تكن أنت، لما عاش ذاك المتّكل الذي لا يستطيع حماية نفسه من صفعة توجه إليه. وعندما تموت أنت أيّها الغبيّ، يأخذ هو كلّ ما جمعت من أجله، يسجّله باسمه واسم عائلته وأحفاده، ويعيش في النعيم، بينما تتعفن أنت وعائلتك في التراب، بعدما تعيشون كالمتشرّدين والعبيد طوال حياتكم المتبقيّة. أنت وأحفادك تعيشون عبيدًا لديهم، بلا حقوق، بلا إرث، بلا ذكر.
لهذا جاء الدين ليفتح عيون الناس، وليقول لهم: من أراد الثروة فليذهب ويقاتل بنفسه في ميادين القتال. ألستم سواء؟
إذا كان الغنيّ يريد الغنائم والثروات، فليكن في الصفّ الأول، ولما تحصّل الغنائم تقسّم بينه وبين الفقير بالسوية. فإن أردت أن تصبح غنيّا، فاخرج معي وقاتل معي كما أقاتل، وعندها نقتسم ما نحصده مناصفة.
هذا ما جاء الدين ليقوله لكم ويوقظ بصيرتكم عليه. ولذلك يحاربونه، لأنهم يرونه عدوّا مباشرا لسلطتهم وثرواتهم.
يقول لك الغنيّ: “اذهب أنت وقاتل ومت من أجلي، وسأصبح أنا الغني بعد موتك.” لكن الدين يقول: لا.
وهل رأيتم يوما حاكما يخرج إلى ساحات القتال؟ لا يخرجون، لأنهم يريدون من الجنديّ البسيط أن يقاتل نيابة عنهم ويموت لأجلهم، بينما يعيشون هم من بعده في الثراء والنعيم، وتظلّ أنت وعائلتك تدفعون ثمن المعركة التي لم تجنوا منها شيئا.
عندما تسلّح الحكومات الجيوش بمئات الآلاف من الجنود، وتمنحهم الطائرات والدبّابات والمدافع والقنابل والسفن، ثم تدفعهم إلى الحروب ليحرقوا الدول ويدمّروا الشعوب، فإن الهدف الحقيقي ليس أمن الوطن، وإنما حتى يجني هو الجبان وابنه الجبان والأغنياء النافّذين الثروات من وراء دماء الجنود.
فالجنود هم الذين يقاتلون، ويضحّون، ويقفون في وجه الخطر، بينما يبقى أصحاب القرار خلف الملاجئ المحصّنة والمخابئ العميقة، لا يرون ساحات الحرب إلّا من الشاشات. وتتحوّل الجيوش إلى أدوات في يد الحكّام بدل أن تكون قوة لحماية الشعوب. لذلك على الجنود أن تحمل تلك الأسلحة، وتلتفّ حول سادتهم المجرمون ويحرقونهم. عليهم أن يتمرّدوا وينقضّوا على الحكّام بما لديهم من أسلحة ويخرجونهم من قصورهم ويقومون برميهم بالرصاص وأخذ أماكنهم، فهم أحقّ بها.
العدالة الحقيقية تقتضي أن تكون تلك الثروات والسلطة في يد من يخرج للقتال ويتحمّل المسؤولية على الأرض، وأن يخضع الحاكم للمحاسبة، وأن يدرك أن الجيش ليس ملكا له، وإنما مؤسسة وطنية خلقت لحماية الناس. وهذا ما كان يقوم عليه منهج القيادة في التجارب العادلة عبر التاريخ: القيادة تمنح لمن يثبت أهليته في الميدان، وليس لمن يجلس في القصور. إذا لم يخرج الحاكم مع الجيش، على الجيش أن يلتفّ حول مقرّه ويجرّه جرّا ويسلمون القيادة لصاحب الحرب.
لك أن تتصوّر الوضع: يطلب الحاكم من الأم أن يرسل ابنها إلى ميادين القتال، مستخدما سلطاته وقوانين التعبئة، فيخرج الابن ليقف في الصفوف الأمامية، ويضحّي بحياته. ماذا تجني الأم بعد ذلك؟ يُعطونها العلم الوطني، وربما يطلقون بالمناسبة بضع رصاصات رمزية ومبلغا زهيدا كتعويض يقدم لها، بينما الابن قد فقد حياته.
أما الحاكم وأبناء الطبقة الحاكمة، فيعيشون في بيوتهم، ويجني ابن الحاكم ملايين الدولارات أو حتى تريليونات في رصيده البنكي، ويورث ممتلكات هائلة: أراض، سيارات، مناجم، آبار، سدود، أشجار، وثمر. كل ذلك بينما الشعب يضحّي بحياته، ويقدّم أقصى ما لديه، والسلطة تنعم بالثروة دون أن تتحمل أي مخاطر حقيقية.
أليس الجنديّ الذي يذهب إلى الحرب إنسانا يحلم بالحياة مثل غيره؟ يريد أن يتزوّج، وأن يبني بيتا، وأن يعيش بكرامة. لكن السلطة تخدعه بوعود زائفة: “سنرسلهم بعد القتال ليستريحوا، وسنزفّهم إلى زواج ومال.”
أيّ سخرية هذه؟ فما يمنح للجنديّ بعد الحرب لا يساوي جزءا واحدا من مليون ممّا يمنح لابن الحاكم.
ابن الحاكم تفتح له خزائن البلاد، وتكتب باسمه الأراضي والمناجم والقصور، ويبقى رصيده البنكي مفتوحا مدى حياته وحياة أبنائه.
أما الجنديّ، فيحصل على إجازة مؤقتة صالحة لعام أو بضعة أشهر. … ثم يعود ليحمل السلاح من جديد.
نفس المشهد يتكرّر في كل مكان: كما يفعل نتنياهو مع ابنه: يرسله إلى لاهاي يتفسّح والجنود تحارب مكانه.
من يملك السلطة يحوّل الدولة إلى ملك شخصي، ويعيش أبناؤه في رفاه بعيدا عن الخطر، بينما يدفع أبناء الفقراء إلى الجبهات. إنهم يسخرون من عقول الأغبياء، فما الحلّ إذا؟
الحلّ يبدأ من فتح العيون على الحقيقة، أن القوى الغنيّة التي تسيطر على الدول تستغلّ الشعوب لصالح بقائها في القمّة، وأن الوعي الشعبي هو السلاح الوحيد القادر على كشف هذه الخيانة وإسقاط شرعيتها. وحتى يكون للدين موضع قدم في العالم من جديد، عليكم محاربة الأغنياء مجانين الثروة.
الأغنياء يضعون لأنفسهم قانونا يسمّى الحصانة، درع يقام بينهم وبين المحاسبة. الحصانة عندهم تعني: ألا تحاسبني ولا تعاقبني، بينما أملك أنا حقّ محاسبتك ومعاقبتك.
الحصانة هي أن تمنع من تتبّعي، بينما أملك الحقّ الكامل في تتبّعك ومعرفة كلّ ما تملك، وكل ما تفعل.
الحصانة هي ألّا تعرف ما عندي، بينما أعرف ما عندك.
هي أن أفعل ما أشاء، وأعيش بلا قيود، بينما تقيّد أنت بكل القوانين التي أضعها لك. هي أن أحوز كل الحقوق، بينما تترك أنت بلا حقّ.
الحصانة أنني من يقرّر، وليس من حقّك أن تُقرّر ولا يسمح لك حتى أن تسأل: لماذا؟
الحصانة هي أن ألوذ بالفرار متى أردت، وأن أملك مفاتيح النجاة، بينما يغلق أمامك باب الهرب، وباب النجاة، وباب الحياة نفسها.
حصانتهم تعني: أنا أحيا… وأنت تدفع ثمن حياتي بموتك.
لذلك لا بدّ أن يسقط هذا المفهوم الأعوج، ليصبح القانون واحدا، والإنسان واحدا، والقويّ مساويا للفقير، والغنيّ مشاركا بماله وامتيازاته في رفع حاجة المحتاج.
فمن المسؤول عمّا يحدث؟ المسؤول هو لسان الشعوب، صمتهم وسكوتهم عن الظلم. كان بإمكانهم أن يحدثوا تغييرا، بألّا يرضوا بذلك، وأن ينتفضوا عليهم؛ فهم الأقل عددا منهم، رغم أن الأكثرية يمكن أن تقف في وجههم. فكيف تغلب القلّة الكثرة والحقّ مع الكثرة؟ والله هو الحقّ.
لو أن الحكومات وجدت آية واحدة في كتاب مقدّس تدعو لإستعباد الناس لطبقت الدين بحذافيره،
فماذا لو كانت هناك آية صريحة في القرآن أو التوراة أو الإنجيل؟ تقول: الغنيّ سيّدا والفقير عبدا، والسرقة تجوز والظلم يحلّ لهم. لكانت فرضت على كلّ الرقاب، وعملوا بها دون تردّد.
ولذلك يرفضون الدين؛ لأن الدين حقّ، وهم لا يريدون حقّا للشعوب، وإنّما يريدون الحقّ حكرا عليهم.
ولكي يتخّلص العباد من الحكم الجائر، ومن جبروتهم وطغيانهم، فعلى الشعوب أن تعيد الدين إلى مقام السلطة؛ عندها يتخلّصون من الخونة الكاذبين الذين جعلوا الأكثرية عبيدا أجراء عندهم.
كيف يرفع الدين إلى مقام السلطة؟
بالمطالبة بأن يكون لكم رصيدا كما لهم، وامتيازات كما امتيازاتهم، وحصانة كما حصانتهم. وأن تكون لكم حقوق كما حقوقهم، وبالواجبات نفسها:
إذا خرجتم إلى القتال، خرجوا معكم حكّامًا، ولو بلغوا من العمر عتيّا، ويكونوا واقفين في الجبهات إلى جانب جنودهم.
وأن ينفقوا في الأزمات من أموالهم المكنوزة، ويعيدوا بأموالهم المؤسّسات المفلسة إلى العمل، وتُنهِضوا الدولة من جديد وتشيّدوا المستشفيات، وتقيموا المؤسّسات التعليمية، وتعبّدوا الطرقات.
لماذا لم نسمع بحاكم واحد أخرج من ماله الخاص وبنى به وطنه؟ ولماذا لا يخرج أبناء الحكّام إلى الجبهات؟ لماذا لم يسجّل التاريخ أن ابن حاكم ارتقى في ميدان المعركة؟
لأن الحكّام لصوص وقطّاع طرق، وخونة.
وعليهم أن يعيشوا في المستوى نفسه الذي يعيشه الناس؛ فالشبعان لا يشعر بالجائع حتى يعيشه درجته نفسها.
ولذلك وجب إيقالة الجبناء والفسقة.
لن يبقى ثري ابن ثري، ولا ابن الغني فلان؛ يرمون أموال الشعوب في النوادي لإتراف أنفسهم في المجون.
أموال الشعوب ينفقونها على الكلاب والمغنيات، فلماذا لا ينفقونها في بناء المستشفيات؟
إذا تكلّمنا، فسيكون كلامنا واقعا.
وانتهى


تعليقات
إرسال تعليق